الخميس، 4 يوليو 2019

وضع القدم في جهنم

قال ابن تيمية في جامع المسائل [٢٣٩/٣] :-

«...وكما في الصحيحين من حديث أبي هريرة وأنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «احتجت الجنة والنار، فقالت الجنة: لا يدخلني إلا الضعفاء والمساكين؛ وقالت النار: يدخلني الجبارون المتكبرون. فقال الله للجنة: "إنما أنت رحمتي أرحم بك من شئت"، وقال للنار: "إنما أنت عذابي أعذب بك من شئت، ولكل واحدة منكما ملؤها". فأما النار فلا يزال يلقى فيها وتقول: "هل من مزيد"، حتى يضع رب العزة فيها -وفي رواية: عليها- قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط! قط».

... وقد يغلط في الحديث قوم آخرون ممثلة أو غيرهم، فيتوهمون أن «قدم الرب» تدخل جهنم. وقد توهم ذلك على أهل الإثبات قومٌ من المعطلة، حتى قالوا: كيف يدخل بعض الرب النار والله تعالى يقول: ﴿لَوۡ كَانَ هَـٰۤؤُلَاۤءِ ءَالِهَةࣰ مَّا وَرَدُوهَا﴾، وهذا جهل ممن توهمه أو نقله عن أهل السنة والحديث، فإن الحديث: «حتى يضع رب العزة عليها -وفي رواية: فيها-، فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قط قط وعزتك»، فدل ذلك على أنها تضايقت على من كان فيها فامتلأت بهم، كما أقسم على نفسه إنه ليملأنها من الجنة والناس أجمعين، فكيف تمتلئ بشيء غير ذلك من خالق أو مخلوق؟. وإنما المعنى أنه توضع القدم المضاف إلى الرب تعالى، فتنزوي وتضيق بمن فيها. والواحد من الخلق قد يركض متحركا من الأجسام فيسكن، أو ساكنا فيتحرك، ويركض جبلا فيتفجر منه ماء، كما قال تعالى: ﴿اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب﴾

وقد يضع يده على المريض فيبرأ، وعلى الغضبان فيرضىٰ.»


أقولُ:-

رواية: «فيها» مشهورة مستفيضة ولعلها أكثر وأرجح، وأقل أحوالها أن تكون فهمَ صحابيٍ أو تابعيٍ، فإنّ مقتضىٰ لفظ:«عليها» لاينفي مدلولَ:«فيها» ولايناقضه، وذلك لأن الحرف:(علىٰ) لايمنع المُداخَلة كقوله تعالىٰ: ﴿وَعَلَىٰ ٱلۡفُلۡكِ تُحۡمَلُونَ﴾ بل إنه إذا استعمل للنار كان قريبا جدا في المعنىٰ من:(في) كقوله تعالىٰ: ﴿یَوۡمَ هُمۡ عَلَىٰ ٱلنَّارِ یُفۡتَنُونَ﴾ أي:يُعذَّبون فيها. وبهذا يزول الاختلاف في تفسير قوله تعالىٰ: ﴿وَإِن مِّنكُمۡ إِلَّا وَارِدُهَا...﴾ فالمرور على الصراط نوع من الدخول فيها، فهو دخولٌ ما، وهو دخولٌ دون دخول، فهو للمؤمنين وُرودٌ غير مستقر.

وهو لغيرهم ثابت مستقر: ﴿یَقۡدُمُ قَوۡمَهُۥ یَوۡمَ ٱلۡقِیامَةِ فَأوۡرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئۡسَ ٱلۡوِرۡدُ ٱلۡمَوۡرُودُ﴾


قلتُ:-

فاللجوء إلىٰ رواية:«عليها» لايشفي من ظاهر هذا الحديث.

وما هذا الخبر إلا كخبر نزول الله سبحانه إلىٰ سماء الدنيا وكذلك استواءه سبحانه علىٰ العرش لايلحقه -سبحانه- في ذلك مايلحق المخلوق، فالله أكبر وأجل وأعظم من أن يحويه مخلوق أو يحيط به -سبحانه- يفعل ما يشاء ولاينقصه شيئا من علوه وعظمته وجلاله، كما خلق أبانا آدم بيديه الكريمتين، وهذا هو معنىٰ اسمه "ذو الجلال والإكرام" فلا منافاة بين جلاله وكبير قدره وعلوّ شأنه وبين إكرامه لخلقه واقترابه منهم.

والعرش مخلوق وسماء الدنيا لها أهلها وسكانها والنار لها أهلها وسكانها، ولافرق بينهما في حق الله سبحانه، فالنار نفسها ووقودها وخزنتها عباد لله قانتون لاذمّ عليهم ولاغضاضة فيما هم فيه، ولا يلحقهم ما يلحق الكفار والعصاة من الهوان والذلة فما الظن بالله الكبير المتعال الذي هو رب كل شيء وفاطره ومليكه ومدبره بعلمه وقدرته ومشيئته سبحانه وتعالىٰ علوًّا كبيرا.

أما آلهة الكفار فإنها حصب جهنم تنفعل لها فتحترق وتُحرق عبدتها كالحجارة التي توقد بها النار فيكون هذا برهانا ودليلا قاطعا علىٰ أنها لاتستحق العبادة بل يُعذب بها الكفار كما يُعذب الذين يكنزون الذهب والفضة بها ﴿یَوۡمَ یُحۡمَىٰ عَلَیۡهَا فِی نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكۡوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمۡ وَجُنُوبُهُمۡ وَظُهُورُهُمۡۖ هَـٰذَا مَا كَنَزۡتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡ فَذُوقُوا۟ مَا كُنتُمۡ تَكۡنِزُونَ﴾.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق